كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَأَلْقَتْ عَصاها وَاسْتَقَرَّ بِها النَّوى ** كَما قَرَّ عَيْنًا بالإِيابِ المُسافِرُ

وأمَّا الأوّابُ فهو الراجع إلى الحق وهو من: آبَ يَؤوبُ أيضا. وأمّا قوله تعالى: {يا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} فهو كما يذكرون التسبيح أوْ هو- والله أَعْلَمُ- مثلُ الأَوَّلِ يقول: ارْجَعِي إلى الحَقِّ والأوّابُ الراجعُ إلى الحَقِّ.
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}:
قوله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} كأنه قيل لهم: ماذا لهُمْ؟ وما ذاكَ؟ فقيل: هُوَ كَذا وَكَذَا. وأمَّا {بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله} فإنما هو على أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ حَسَبًا وبِخَيْرٍ مِنْ ذلكَ حسبا. وقوله: {مَن لَّعَنَهُ الله} موضع جرّ على البدل من قوله: {بِشَرٍّ} ورفع على هُوَ مَنْ لَعَنهُ الله.
{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}: قال تعالى: {الصَّابِرِينَ} إلى قوله: {بِالأَسْحَارِ} موضع جر على {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [15] فجر بهذه اللام الزائدة.
{شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}:
قال: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} إنما هُوَ شَهِدُوا أنه لا إله إلا هو قائِمًا بالقِسْطِ نصب {قَائِمًا} على الحال.
{أن الدين عِندَ الله الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ}: قال: {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياَ بَيْنَهُمْ} يقول: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} {بَغْياَ بَيْنَهُمْ} {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}.
{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ}.
وقال: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} بكسر {يَتَّخِذِ} لأنه لقيته لام ساكنة وهي نهي فكسرته.
وقال تعالى: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تَقِيَّةً} وقال بعضهم: {تُقَاةً} وكلٌّ عربي و{تُقَاةٌ} أجْوَدُ، مثل: إِتَّكَأَ تُكَأَةً وإتَّخم تُخَمَةً وإتَّحَفَ تُحْفَةً.
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}:
قال الله تعالى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} لأَنَّ البَيْنَ هاهنا ظرف وليس باسم. ولو كان اسمًا لارتفع الأمَدُ. فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر وأوقعت عليه حروف النصب فانصب نحو قولك: إنَّ عِنْدَنا زَيْدًا لأن عِنْدَنا ليس باسم ولو قلت: إنَّ الذِي عِنْدَنا قلت: زَيْدٌ لأن الذي عندَنا اسم. قال: {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدَ سَاحِرٍ} فجعل إنَّ وما حرفًا واحدًا واعمل {صَنَعُوا} كما تقول: إنَّما ضَرَبُوا زَيْدًا. ومن جعل ما بمنزلة الذي يرفع الكيد.
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}: قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} فنصبه على الحال: ويكون على البدل على قوله: {إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ} [33] وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [35] فقوله: {مُحَرَّرًا} على الحال.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}:
قال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} وقال بعضهم: {وَكَفَلَها زكرياءُ} و{كَفِلَها} أيضا {زَكَريّا} وبه نقرأُ وهما لُغَتَانِ. وقال بعضهم {وَكَفِلَها زَكَرياء} بكسر الفاء. ومن قال: كَفَلَ قال يَكْفُلُ ومن قال كَفِلَ قال يَكْفَلُ. وأما كَفُلَ فلم اسمعها وقد ذكرت.
وقال تعالى: {يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فهذا مثل كلام العرب يأكُلُ بِغَيْرِ حسابٍ أي: لا يَتَعصَّبُ عَلَيْه ولا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ. و{سَرِيعُ الْحِسَابِ} و{أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} يقول: ليس في حسابه فكر ولا روية ولا تذّكر.
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أنك سَمِيعُ الدُّعَاءِ}:
قال الله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} لأن النون في لَدُنْ ساكنة مثل نون مَنْ وهي تترك على حال جزمها في الإضافة لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال: {مِنْ لَدُنّا}، وقال تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} فتركت ساكنة.
وقال تعالى: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} مثل كثيرُ الدُّعاء لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول: أنتَ السَّمِيعُ الدُّعاءِ ومعناه إِنَّكَ مَسْمُوعُ الدُّعاءِ أي: إِنَّكَ تَسْمَعُ ما يُدْعَى بِهِ.
{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}:
قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ} لأَنَّهُ كأنه قال: {نَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} فقالت: {إِنَّ الله يُبَشِّرُكَ} وما بعد القول حكاية. وقال بعضهم {أَنَّ الله} يقول: فنادته الملائكة بذلك.
وقال تعالى: {بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} وقوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} معطوف على {مُصَدِّقًا} على الحال.
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}:
قال تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ} كما تقول وَقَدْ بَلَغَنِي الجَهْدُ أي: أَنَا في الجَهْدِ والكِبَر.
{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}: قال: {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} يريد: أن لا تُكَلِّمَ الناسَ إلاَّ رَمْزًا وجعله استثناء خارجًا من أول الكلام. والرمز: الإيماء.
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}: قال: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يا مَرْيَمُ} فـ {إذ} هاهنا ليس له خبر في اللفظ.
{ذلك مِنْ أَنَبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}:
قال الله تعالى: {إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} لأنَّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول: أَزَيْدٌ في الدّارِ؟ و: لَتَعْلَمَنَّ أَزَيْدٌ فِي الدّار. وقال: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} أي: لننظر. وقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وأَمَّا قوله: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيًّا} فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول لأن قوله: {لَنَنزِعَنَّ} ليس بطلب علم. ولكن لما فتحت مَنْ والذي في غير موضع أي صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها تركت على لفظ واحد وهو الضم وليس بإعراب. وجعل {أَشَدّ} من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس. وقالوا: إذا تُكُلِّمَ بها فإنَّه لا يكونُ فيها إلاَّ الأعمال. وقد قرئ {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} فرفعوا وجعلوه من صلة الذي وفتحه على الفعل أحسن. وزعموا أن بعض العرب قال: ما أَنَا بالّذِي قائلٌ لكَ شَيْئًا فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا ما نَحْنُ بالَّلذَيْنِ قائِلانِ لَكَ شَيْئًا.
{إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
قوله: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ} و{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا} وأَشْباهُ هذا في إذ والحِين وفي يَوْم كثير. وإنما حسن ذلك للمعنى، لأن القرآن إنما أنزل على الأمر والذي كأنه قال لهم: أذْكُروا كذا وكذا وهذا في القرآن في غير موضع واتَّقُوا يومَ كذا أوحينَ كذا.
وقال تعالى: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا} نصبه على الحال {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} عطف على {وَجِيهًا} وكذلك {وَكَهْلًا} [46] معطوف على {وَجِيهًا} لأن ذلك منصوب. وأما قوله تعالى: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} فانه جعل الكلمة هي عيسى لأنه في المعنى كذلك كما قال: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا} ثم قال: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} وكما قالوا: ذو الثُدَيَّة لأن يَدَهُ كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه فجعلها كأن اسمها ثُدَيَّة ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير.
{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
أما قوله: {كَذَلِكِ الله} فكسر الكاف لأنها مخاطبة امرأة وإذا كانت الكاف للرجل فتحت. قال للمؤنث {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ أنك كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}.
{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ}. قوله: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} موضع نصب على {وَجِيهًا}. و{رَسُولًا} [49] معطوف على {وَجِيهًا}.
{وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ الله وَأَطِيعُونِ}: قال تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ} على قوله: {وَجِئْتُكُمْ} {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيّ} {رَسُولًا} لأَنَّهُ قال: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [49].
{إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}: قال: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} فـ {إنَّ} على الابتداء. وقال بعضُهم أَنَّ فنصب على وَجِئْتُكُم بأَنَّ الله رَبِّي ورَبُّكُم هذا معناه.
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله آمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}: قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} لأنَّ هذا من أَحَسَّ يُحِسُّ إحْساسًا وليس من قوله: {تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} إذ ذلك من حَسَّ يَحُسُّ حَسًّا وهو في غير معناه لأن معنى حَسَسْتُ قتلت. وأَحْسَسْتُ هو: ظَنَنْتُ.
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وقال تعالى: {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} رفع على الابتداء ومعناه: كُنْ فكانَ كأَنَّهُ قال: فإذا هُوَ كائِنٌ.
{الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الْمُمْتَرِينَ}: قال: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} يقول: هو الحقُّ منْ ربِّكَ.
{قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}:
قال سبحانه وتعالى: {يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فجر {سَوَاءٍ} لأنها من صفة الكلمة وهو العَدْل. أراد مُسْتَوِيَةٍ ولو أراد استواءً لكانَ النَصْب. وإنْ شاءَ أن يجعله على الاستواء ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل الخَلْق، لأن الخَلْق قد يكون صفة ويكون اسما، قال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} لأن السَّواء للآخر وهو اسم ليس بصفة فيُجْرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء فان أراد مُسْتوِيًا جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد لأنها صفة لا تغير عن حالها ولا تثنى ولا تجمع على لفظها ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء. وقال تعالى: {أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} فالسواءُ للمَحْيا والمَمَاتِ، فهذا المبتدأ. وإنْ شِئْتَ أَجْرَيْتَهُ على الأول وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول فجرى عليه، فذا إذا جعلته في معنى مستو فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} [64] فهو بدل كأنه قال: تَعَالَوْا إلى أن لا نَعْبُدَ إلاّ الله.
{وَقَالَتْ طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}: قال تعالى: {آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ} جعله ظرفا.
{وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى الله أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}:
قال تعالى: {أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} يقول لا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُم وأَنْ يُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أي: وَلا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ.
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذلك بأنهمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}:
قال تعالى: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}. لأَنَّها مِنْ دُمْتُ تَدُومُ. ولغةٌُ لِلْعَرَبِ دِمْتَ وهي قراءة مثل مِتَّ تَمُوتُ جعله على فَعِلَ يَفْعُلُ فهذا قليل.
وقال تعالى: {بِدِينَارٍ} أي: على دينار كما تقول: مررتُ بِهِ وعليه.
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَائِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: قال عز وجل: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ} فهذا مثل قولك للرجل ما تَنْظُرُ إِلَيَّ إذا كأن لا ينيلك شيئًا.
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}:
قال تعالى: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} بفتح الياء. وقال: {يُلَوّوُنَ} بضم الياء واحسبها {يَلْووُنَ} لأَنَّه قال: {لَيًّا بألسنتهم} فلو كان من {يُلَووُّنَ} لكانت تَلْوِيَةً بألسنتهم.
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ الله ولكن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}:
قال تعالى: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} نصبٌ على {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله} {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} لأَنَّ ثُمَّ من حُروف العطف.
{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}.
{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} أيضا معطوفٌ بالنَّصب على أَنْ وإنْ شئت رفعت؛ تقول: {وَلاَ يَأْمُرُكُمْ} لا تعطفه على الأوَّل تريد: هُوَ لا يَأْمُرُكُمْ.
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ}:
قال الله تعالى: {لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} فاللام التي مع ما في أول الكلام هي لام الابتداء نحو لزَيدٌ أَفضَلُ مِنكَ، لأن {مَا آتَيْتُكُمُ} اسم والذي بعده صلة. واللام التي في {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} لام القسم كأنه قال والله لَتُؤمِنُنَّ بِهِ فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: أَمَا والله أَنْ لَوْ اجِئْتَني لَكان كذا وكذا، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لَتُؤْمِنُنَّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها. جعل خبر {مَا آتَيْتُكُمْ مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} مثل ما لِعَبْدِ الله؟ والله لَتْأتِيَنَّه. وإن شئت جعلت خبر {ما} {مِنْ كِتابٍ} تريد {لَما آتَيْتُكُمْ كتابٌ وحِكْمَةٌ} وتكون مِنْ زائدة.